تشهد المملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة نهضة اقتصادية في جميع مجالاتها مما دفع المنظم لمراجعة جميع الأنظمة وتطويرها بما يتلاءم مع تحقيق رؤية المملكة العربية السعودية 2030، ولا شك أن من أهم الأنظمة الاقتصادية التي تعكس اهتمام المملكة بالحركة الاقتصادية تعديل الأنظمة المتعلقة بالعلاقات التجارية والتجار وكل ما يتعلق بها وعلى رأسها نظام الشركات، حيث صدر نظامه الجديد بالمرسوم الملكي رقم: (م/132) وتاريخ 1/12/1443ه بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (678) وتاريخ 29/11/1443ه.
وقد تضمن نظام الشركات الجديد ولائحته التنفيذية تعديلات جوهرية تسهم في نمو حركة الاقتصاد للمملكة في قطاع الشركات بدءً من تأسيس الشركة إلى حين انتهائها وتصفيتها، وذلك باستحداث شكل جديد للشركات وتطوير أحكام التحول والاندماج بينها، وسن آليات جديدة لتوزيع الأرباح وإصدار أدوات دين قابلة للتداول وغيرها من التعديلات التي تهدف لنمو قطاع الشركات السعودية و استقطاب الشركات الأجنبية، ونظراً لكثرة الشركات السعودية العائلية وقوتها في المملكة العربية السعودية فقد اعتنى نظام الشركات ولائحته التنفيذية بتنظيم الشركات العائلية وضبطها بما يحقق أعلى مراحل استدامتها ونموها وحوكمتها، وذلك بإمكانية إبرام ميثاق عائلي في عقد تأسيس الشركة أو في نظامها الأساس ينظم الملكية العائلية في الشركة، فما هو هذا الميثاق العائلي؟ وما هي أبرز مزاياه في نظام الشركات الجديد؟
تعريف الميثاق العائلي:
هي وثيقة عائلية ذات غرض تجاري موجهة لتنظيم الملكية العائلية في الشركة، وتمثل سجلاً من سجلات الشركة التي تظهر ما تمثله من قيمة.
كما يمكن القول بأنه الوثيقة المكتوبة التي تنظم العلاقات بين أفراد العائلة في تنظيم ملكيتهم للشركة وفق ضوابط متفق عليها بين الملاك، وتكون قابلة للتنفيذ والالتزام عند الاختلافات التي قد تحدث بين الشركاء الحاليين أو ورثتهم مستقبلاً.
الغرض من تحرير الميثاق العائلي:
بيّن نظام الشركات الجديد الغرض الأساس من إبرام الميثاق العائلي فقد نص النظام في مادته الحادية عشرة التي حددت اتفاق الشركاء والميثاق العائلي في الفقرة الأولى: " يجوز للمؤسسين أو الشركاء أو المساهمين –سواءً خلال مدة تأسيس الشركة أو بعدها- ما يأتي: ... ب- إبرام ميثاق عائلي يتضمن الملكية العائلية في الشركة وحوكمتها وإدارتها وسياسة العمل وسياسة توظيف أفراد العائلة وتوزيع الأرباح والتصرف في الحصص أو الأسهم وآلية تسوية المنازعات أو الخلافات وغيرها" ويظهر من نص المادة وما جاء في تعريف الميثاق العائلي الذي ذكرناه آنفاً أن الميثاق يتضمن نقاط جوهرية تتعلق ببيان تنظيم ملكية أفراد العائلة للشركة وأن أهم غرضٍ للميثاق أنه يضع تصوراً مسبقاً لكل النقاط التي قد تكون محل اختلاف بين الشركاء أو ورثتهم، كما يُعنى الميثاق بوضع ضوابط وحلول لما قد يطرأ من خلافات بين الشركاء بعد انتقال أنصبة الشركة من الجيل المؤسس إلى ورثتهم مما يمنع الاجتهادات غير المرغوبة أو الرغبات التي قد تكون متباينة بين الشركاء؛ وذلك بوضع ضوابط وتنظيمات ملزمة واضحة تحقق استدامة الشركة ونموها وتوسعها وفق الغرض الذي أنشئت من أجله.
وبالحديث عن غرض تحرير الميثاق العائلي فإنه يلزم الإشارة إلى أهم التنظيمات التي ينبغي ذكرها في الميثاق العائلي حسب ما ورد في نظام الشركات الجديد، وهل حددها النظام أم تركها بغير تحديد؟
لم يحدد النظام عدداً أو نوعاً معيناً للتنظيمات الجائز ذكرها في الميثاق العائلي وإنما تركها للشركاء حسبما أرادوا من تنظيمٍ للشركة، وقد حدد النظام تنظيماتٍ على سبيل المثال لا الحصر وفق ما ذكر في المادة الحادية عشرة المذكورة أعلاه، فنجد التنظيمات الواردة في النظام هي:
1. تنظيم الملكية العائلية في الشركة.
2. حوكمة الشركة وإدارتها.
3. سياسة العمل فيها وسياسة توظيف أفراد العائلة.
4. توزيع الأرباح والتصرف في الحصص أو الأسهم.
5. آلية تسوية النزاعات أو الخلافات.
وغيرها من التنظيمات التي قد يعمد الشركاء إلى سنِّها وتدوينها في الميثاق العائلي كون النظام لم يضع حداً للتنظيمات التي يُقتصر على ذكرها ف الميثاق العائلي.
مَحَلُّ كتابة الميثاق العائلي ومدى الزاميته:
أجاز النظام في الفقرة الثانية من المادة الحادية عشرة أن يبرم الشركاء الميثاق العائلي بشكل مستقل أو أن يكون ضمن عقد التأسيس أو أن يبرم ضمن نظام الشركة الأساس، حيث نصت الفقرة على: "يكون الاتفاق أو الميثاق العائلي ملزماً، ويجوز أن يكون جزءاً من عقد تأسيس الشركة أو نظامها الأساس. ويشترط ألا يخالف النظام أو عقد تأسيس الشركة أو نظامها الأساس"
وأما عن مدى الزامية الميثاق العائلي على الشركاء فقد قطع المنظم النزاع بنص قطعي ببيان الزامية الميثاق وأنه ملزمٌ للشركاء وذلك بنص فقرة الثانية من المادة الحدية عشرة حيث نصت على: " يكون الاتفاق أو الميثاق العائلي ملزماً..." إلا أن المنظم اشترط للعمل بموجب الميثاق العائلي شرطين: 1/ ألّا تخالف تنظيمات الميثاق العائلي نظام الشركات. 2/ ألّا يخالف عقد تأسيس الشركة أو نظامها الأساس. وهذا ما نص عليه في الفقرة الثانية من المادة الحادية عشرة من النظام: " ... ويتشرط ألّا يخالف النظام أو عقد تأسيس الشركة أو نظامها الأساس" وبهذا حسم المنظم النزاع فيه تأكيداً على أن النظام هو الأصل وما خالفه فلا يؤخذ به.
تعديل الميثاق العائلي:
أجاز المنظم تعديل الميثاق العائلي إذا كان جزءاً من عقد تأسيس الشركة أو جزءاً من نظامها الأساس وفقاً لتعديل نصاب عقد التأسيس أو نظام الشركة الأساس كل شركة بحسبها فيرجع إلى تعديل النصاب في الميثاق العائلي للشركة ذات المسؤولية المحدودة مثلاً إلى نصاب تعديلها في النظام ويطبق ذلك على الميثاق العائلي وهكذا الحال في نوع من أنواع الشركات، وهذا ما نصت عليه المادة الرابعة من اللائحة التنفيذية لنظام الشركات في الفصل الأول: تأسيس الشركة حيث نصت على: "تنفيذاً لحكم الفقرة (2) من المادة (الحادية عشرة) من النظام، يكون نصاب تعديل اتفاق الشركاء أو المساهمين أو الميثاق العائلي إذا كان جزءاً من عقد التأسيس أو نظامها الأساس وفقاً للأوضاع المقررة لتعديل عقد تأسيس الشركة أو نظامها الأساس بحسب شكل الشركة".
هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد
بقلم :
مهند بن عبدالله المزيني
محامي ومستشار قانوني
فريق د. محمد المهنا وشركاؤه، محامون ومستشارون المختصين بهذا المجال يستقبلون كافة استفساراتكم المتعلقة بما ذكر أعلاه بشكل خاص، وتقديم كافة الاستشارات والنصائح القانونية العملية والواضحة. وفق المعايير المهنية.