٨ صباحاً إلى ٥ مساءً
·
Info@almuhanna.co
·
0566222200
للإستشارات احجز موعد English

وسائل الإثبات في منازعات الأوراق المالية

تُعد أسواق المال من أهم المرتكزات الاقتصادية للدول الحديثة، وبها يتبين متانة وقوة اقتصاد الدولة نظراً لكونها مجالاً خصباً للاستثمار، كما أنها عامل جذب للاستثمارات الأجنبية، لذلك تحرص الدول على الاهتمام بأسواقها المالية وإنشاء الهيئات والمراكز للأسواق المالية، وقد عهد المنظّم في وطننا الغالي للجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية التابعة لهيئة السوق المالية مهمة البحث عما يعزز حجية الأوراق المالية وقبولها عند وجود المنازعات بين هيئة السوق المالية والمتعاملين معها، والمنازعات التي تثار بين المتعاملين في السوق المالية، والمنازعات التي تمس المجتمع من المتعاملين في السوق المالية أيضاً.

 

وسوف نتناول في هذا المقال نوعين من وسائل الإثبات في منازعات الأوراق المالية وهما: الآلية والتقليدية.

 

أولاً- وسائل الإثبات الآلية في منازعات الأوراق المالية:

  تعتبر الأدلة الإلكترونية مصطلحاً حديثاً يطلق على السندات الإلكترونية المستخرجة من التقنيات العلمية الحديثة كالتلكس، والفاكس، والبريد الإلكتروني، والإنترنت، فالأدلة الإلكترونية هي كتابة غير تقليدية للمعلومات مستخرجة من وسائط خزن لتقنيات علمية، تعمل على تحويل الحروف المكتوبة والسندات المرسلة عن طريقها إلى برمجة الكترونية تؤدي إلى طبع هذه الحروف واستنساخها عن بعد وبسرعة قياسية لا تزيد على دقيقة واحدة مهما طالت المسافة.

إلاَّ أنَّ هذه السندات الجديدة فرضت نفسها في التعامل بين الأفراد، والأمر المهم فيها أنَّ وسائل إثبات التعاقد التي يتم عن طريقها لا ينسجم بسهولة مع القواعد التقليدية في الإثبات؛ لا سيما من حيث توافر أركان الدليل الكتابي، ومفهوم الصورة المستنسخة وحجيتها، وتخزين المعلومات وحفظها واسترجاعها.

 

  وقد قررت المادة 30/ك من نظام السوق المالية أنه: " يجوز الإثبات في قضايا الأوراق المالية بجميع طرق الإثبات بما في ذلك البيانات الإلكترونية، أو الصادرة عن الحاسوب، وتسجيلات الهاتف، ومراسلات جهاز(الفاكسميلي)، والبريد الإلكتروني".

 

وسنعرض هذه الوسائل في الآتي:

        أ‌-        البيانات الإلكترونية.

يمثل البريد الإلكتروني خدمة واسعة الانتشار والأكثر استخداماً اليوم مع خدمة الويب العالمي، إذ يتم من خلالها تبادل الملايين من الرسائل يومياً، والتي من المتوقع أن تتحول في وقت قريب نتيجة للتسهيلات العملية الهائلة إلى الوسيلة الأكثر انتشاراً والأكثر شهرة في العالم.

 

  وقد حلَّ البريد الإلكتروني محل البريد العادي عند نسبة كثيرة من الشركات والبلدان وحتى في التعامل اليومي للأفراد؛ ذلك لأن رسائل البريد الإلكتروني أسرع وأوفر من الرسائل الورقية، كما أنها وسيلة تتميز بالسرية مقارنةً بالمكالمات الهاتفية، وعن طريقها يمكن إرسال جميع أنواع الوسائط من وثائق، وصور، ومقاطع صوتية.

وقد نصَّت المادة رقم (9) من نظام التعاملات الإلكترونية الصادر بالمرسوم ملكي رقم م/18 بتاريخ 8 / 3 / 1428هــ على أنه:

1- يقبل التعامل الإلكتروني أو التوقيع الإلكتروني دليلاً في الإثبات إذا استوفى سجله الإلكتروني متطلبات حكم المادة (الثامنة) من هذا النظام.

2 - يجوز قبول التعامل الإلكتروني أو التوقيع الإلكتروني قرينة في الإثبات، حتى وإن لم يستوف سجله الإلكتروني متطلبات حكم المادة (الثامنة) من هذا النظام.

3 - يعد كل من التعامل الإلكتروني والتوقيع الإلكتروني والسجل الإلكتروني حجة يعتد بها في التعاملات وأن كلا منها على أصله (لم يتغير منذ إنشائه) ما لم يظهر خلاف ذلك.

4       - يراعى عند تقدير حجية التعامل الإلكتروني مدى الثقة في الآتي:

-        الطريقة التي استخدمت في إنشاء السجل الإلكتروني أو تخزينه أو إبلاغه، وإمكان التعديل عليه.

-        الطريقة التي استخدمت في المحافظة على سلامة المعلومات.

-        الطريقة التي حددت بها شخصية المنشئ.

  وبناءً عليه فإنه يجوز إثبات كافة الادعاءات أمام لجنة فض المنازعات الخاصة بالأوراق المالية بكافة طرق الإثبات بما فيها الكتابة الإلكترونية التي تتوافر فيها الشروط التالية:

1.     أن يكون مضمون المحرر الكتابي مفهوماً.

2.     استمرار وجود الكتابة الإلكترونية مدَّة زمنية معقولة.

3.     عدم قابلية المحرر الإلكتروني المكتوب للكشط والمحو والإضافة.

   وبذلك تكون رسائل البريد الإلكتروني مساويةً في حجيتها في الإثبات بالمستندات التقليدية، إذا أقرَّ بها صاحبها، أمَّا إذا أنكرها وأثبت أنه لم يرسلها ولم يقم بذلك أو لم يكلف أحداً بإرسالها، فعند ذلك تفقد هذه الرسائل قيمتها في الإثبات.

      ب‌-      تسجيلات الهاتف

حيث يقع عبء إثبات التسجيل على الشخص المرخص له، وعليه أن يحتفظ بالتسجيلات لمدة ثلاث سنوات، وفي حال حدوث نزاع فإنه عليه أن يحتفظ بالتسجيلات حتى ينتهي النزاع، ولا يقبل عذر الشخص المرخص له بعدم وجود تسجيلات، ويعد ذلك نكول.

 ج-   مراسلات الفاكس

 وهي التي تتم بين العميل والشخص المرخص له.

 

ثانياً- وسائل الإثبات التقليدية في منازعات الأوراق المالية:

  سبق الحديث عن نص المادة 30/ك من نظام السوق المالية في المملكة بأنه: "يجوز الإثبات في قضايا الأوراق المالية بجميع طرق الإثبات"، وقد أفردت لائحة إجراءات الفصل في منازعات الأوراق المالية الصادرة عن مجلس هيئة السوق المالية بموجب القرار رقم (1-4-2011) وتاريخ 19/02/1432هــ باباً سادساً بعنوان (الإثبات)، فنصَّت المادة (18) من اللائحة على: "يجوز الإثبات أمام اللجنة بجميع طرق الإثبات بما في ذلك البيانات الإلكترونية أو الصادرة عن الحاسوب، وتسجيلات الهاتف، ومراسلات الفاكس، والبريد الإلكتروني".

وفي هذا السياق نعرض أدلة الإثبات التقليدية على النحو الآتي:

     1-       المعاينة والسماع

  نصَّت المادة الحادية والثلاثون من لائحة إجراءات الفصل في منازعات الأوراق المالية على أنه: "إذا رأت الدائرة خلال المرافعة ضرورة إجراء معاينة أو تحقيق تكميلي، باشرت ذلك بنفسها أو ندبت من يقوم به"،

     2-       الاستعانة بالخبرة

  تعدُّ بينة الخبير من وسائل الإثبات في منازعات الأوراق المالية، حيث أفردت له لائحة إجراءات الفصل في منازعات الأوراق المالية فصلاً سابعاً بعنوان (الخبرة)، فنصَّت المادة السابعة والعشرون من اللائحة على أنه: " إذا رأت الدائرة خلال المرافعة ضرورة الاستعانة بالخبرة فلها أن تقرر ندب خبير أو أكثر، وتحدد في قرارها مهمة الخبير وأجلاً لجلسة المرافعة المبنية على التقرير، وتحدد فيه عند الاقتضاء السلفة التي تودع لحساب مصروفات الخبير وأتعابه وطرف الدعوى المكلف بإيداعها والأجل المحدد للإيداع، ولها أن تعيّن خبيراً لإبداء رأيه شفهياً في الجلسة، وفي هذه الحالة يُثبَّت رأيه في محضر الجلسة ".

     3-       الإقرار

     هو إقرار الخصم في المنازعات المالية بواقعة مالية ادّعى بها عليه، وذلك أمام لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية أثناء السير في الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة.

     4-       شهادة الشهود

        أشارت إليها المادة الحادية والثلاثون من لائحة إجراءات الفصل في منازعات الأوراق المالية (المعابنة والسماع) المذكورة أعلاه، فنصَّت المادة على أنه: إذا رأت الدائرة خلال المرافعة ضرورة إجراء معاينة أو تحقيق تكميلي، باشرت ذلك بنفسها أو ندبت من يقوم به، ولها أن تكلف من تختاره لسماع شهادة من ترى حاجة إلى سماع شهادته.

     5-       اليمين

 استقرَّ العمل في لجنة الاستئناف في منازعات الأوراق المالية على الأخذ باليمين، سواءً كانت يمين استيثاق أو يميناً متممة، وفي هذا جاء قرار لجنة الاستئناف رقم 757 لعام 1434 هـ ما نصه: "وحيث إنَّ عبء الاثبات يقع على المدعى عليه، وحيث إنَّ المدعى عليه لم يقدم ما يثبت أنَّ هذه التداولات تمَّت بناءً على أوامر صادرة من المدعي، وحيث بذل المدعي اليمين على أنه لم يعلم بجميع التصرفات والتداولات التي جرت على محفظته حتى تاريخ إقامة الدعوى، ولم يفوض أي شخص بالتصرفات والتداولات على محفظته محل النزاع، ولم يرضى بها فإنَّ المدعى عليه يكون بذلك قد أخل بمسؤولياته والتزاماته النظامية تجاه عملائه؛ ممَّا ترى معه اللجنة استحقاق المدعي للتعويض عن الضرر الذي أصابه ".

     6-       الكتابة

 تُعد الأدلة الكتابية في العصر الحديث من أفضل وسائل الإثبات، فقد ورد النص عليها في كافة تشريعات الإثبات المدنية، ولا نجد بين الفقهاء وأحكام القضاء خلافاً على ذلك، وذلك لأهميتها من الناحية العملية في ضمان حقوق الأفراد في مختلف تعاملاتهم المدنية والتجارية، وبوصفها دليلاً يمكن إعداده مقدماً، أي عند صدور التصرف القانوني وقبل قيام النزاع؛ ممَّا يمكن معه تحديد مركز الشخص تحديداً دقيقاً.

 كما تتصف الأدلة الكتابية بالثبات، فهي تحفظ على مرور الزمن ما تتضمنه من معلومات لأنها تحصل في وقت لا نزاع فيه، فعند تقديمها للقضاء تنطق بتلك الحقائق التي سبق إثباتها ما لم يثبت أنها لم تتعرض للتزوير، فضلاً عن ذلك فإن الأدلة الكتابية تخلو من العيوب التي تعتري طرق الإثبات الأخرى كالشهادة؛ فتقلل من قوتها في الإثبات لاحتمال فوات فرصة الاستشهاد بالشاهد لوفاته أو كذبه أو عدم دقته إن كان صادقاً بسبب ما يتعرض له من خطأ أو نسيان.

ويقصد بالأدلة الكتابية: كل كتابة يمكن أن يستند عليها أحد الطرفين في إثبات حقه أو نفيه، ويأخذ بها في الإثبات بوصفها دليلاً كاملاً، إلا أنه لا أثر لانعدامها على وجود العقد، بل يكون العقد موجوداً ومنتجاً لآثاره، فإذا كان مقراً به من الخصوم فإنه يكون في غير حاجة إلى إثباته بالدليل الكتابي، بالإضافة إلى أنَّ الإقرار يحل محل الدليل الكتابي في هذا الإثبات، كما يمكن إثباته باليمين الحاسمة.

     7-       المحررات الرسمية

عُرّف المحرر الرسمي أو الورقة الرسمية في نظام المرافعات الشرعية في المادة (139) بأنها: "هي التي يثبت فيها موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تمَّ على يديه أو ما تلقاه من ذوي الشأن، وذلك طبقاً للأوضاع النظامية وفي حدود سلطته واختصاصه"، وكذلك في نظام الإثبات الصادر حديثاً بالمرسوم الملكي رقم (م/43) وتاريخ 26/05/1443هـ في المادة (25) بأنها: "التي يثبت فيه موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تمَّ على يديه أو ما تلقاه من ذوي الشأن طبقاً للأوضاع النظامية وفي حدود سلطته واختصاصه". مثل: الأوامر الملكية، والصكوك الصادرة من المحاكم وكتابات العدل، وكتاب القاضي إلى القاضي، والأوراق الصادرة من الإدارات الحكومية والجهات المختصة.

وللإثبات بالمحررات الرسمية شروط نستنبطها من هاتين المادتين هي:

1.     أن تصدر أو تصَّدق من موظف عام.

2.     أن تكون في حدود اختصاصه وسلطته.

3.     مراعاة الأوضاع النظامية في صدور الإسناد الرسمي.

4.     مستكملة لكل البيانات والأشكال التي يقرها النظام.

وتعتبر حجة في الإثبات مالم يتضح تزويرها، وهذه الحجية تثبت للسند الرسمي من حيث مصدره ومضمونه وفي مواجهة الغير.

 

خاتمة

يتبيّن لنا مما سبق أنوسائل الإثبات في منازعات الأوراق المالية قد حظيت بكثير من الاهتمام والتوضيح والتأصيل؛ ممَّا يسر على المختصين استخدام هذه الأدلة -وسائل الإثبات- بما يحقق العدالة وينصف أصحاب الحقوق، ويعود ذلك إلى أنَّ الأوراق المالية تمثل قوة ثبوتية للوثائق العادية من حيث صحة توقيع من نُسبت إليه، طالما أنها صادرة منه ولم ينكر صراحةً ما نُسب إليه فيها من خطٍ أو توقيع أو بصمة إبهام، وبذلك تكون هذه القوة الثبوتية معتبرة عند حدوث منازعات في الأوراق المالية.

بالإضافة إلى أنَّ أساس حجية الأوراق المالية يُبنى على صحة المعلومات والبيانات الواردة فيها، فإذا أقر بها صاحبها فهي حجة عليه ولها القوة الثبوتية الرسمية في الإثبات.

وكما نرى فإنَّ وسائل الإثبات مرت بتطور وانتقلت من صورة وسيلة تقليدية إلى وسيلة آلية، بل أصبحت الأخيرة هي الأكثر استخداماً في القوانين والأنظمة العالمية وبشروط وضوابط.

 

ونوصي بعد هذا المقال بما يلي:

1)    ضرورة إنشاء مراكز علمية لمتابعة التطور الحديث فيما يخدم تعزيز واستمرارية قوة وسائل الإثبات حال وجود المنازعات.

2)    الحرص على عقد دورات وندوات علمية للقضاة والمحامين وإمدادهم بالجوانب العلمية الحديثة، وطرح كل ما هو جديد في هذا العالم فيما يخص التعامل الإلكتروني في المنظومة القضائية.

3)    الاهتمام بتعزيز الضمانات التي تظفي على أدلة الإثبات خاصةً الأدلة الحديثة ما يقوي حجيتها والاعتماد عليها حال النزاع.

4)    السعي الحثيث لإيجاد حماية أمنية قوية يعتمد عليها في الحفاظ على أدلة الإثبات الحديثة وصولاً إلى الأخذ بها أكثر من غيرها من الأدلة التقليدية.

 

بقلم : 

عبدالرزاق بن محمد المحيذيف 

ماجستير في القانون التجاري
   

فريق د. محمد المهنا وشركاؤه، محامون ومستشارون المختصين بهذا المجال يستقبلون كافة استفساراتكم المتعلقة بما ذكر أعلاه بشكل خاص، وتقديم كافة الاستشارات والنصائح القانونية العملية والواضحة. وفق المعايير المهنية.

Subscribe To Newsletter